فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فَإِذا زَادَت وَاحِدَة عَلَى الْمِائَة وَالْعِشْرين، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون».
هَذِه الرِّوَايَة مَذْكُورَة فِي حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنهُ، وَقد أسلفنا أَن مدَار نصب الزَّكَاة عَلَيْهِ، وَعَلَى حَدِيث أنس، وَقد فَرغْنَا بِحَمْد الله ومنِّه من الْكَلَام عَلَى حَدِيث أنس، فلنذكر طرق حَدِيث ابْن عمر، فَنَقُول: هُوَ حَدِيث لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحدهمَا، نعم رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ.
أما أَحْمد فَإِنَّهُ أخرجه عَن مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، بِنَحْوِ من سِيَاقَة التِّرْمِذِيّ الْآتِيَة، كَمَا ستقف عَلَيْهَا.
وَأما أَبُو دَاوُد فَأخْرجهُ من حَدِيث عباد بن العوَّام، نَا سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «كتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب الصَّدَقَة، فَلم يُخرجهُ إِلَى عماله حَتَّى قبض، فقرنه بِسَيْفِهِ، فَعمل بِهِ أَبُو بكر حَتَّى قبض، ثمَّ عمل بِهِ عمر حَتَّى قبض، فَكَانَ فِيهِ: فِي خمس من الْإِبِل شَاة، وَفِي عشر شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه، وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا ابْنة لبون، إِلَى خمس وَأَرْبَعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فجذعة إِلَى خمس وَسبعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا ابنتا لبون إِلَى تسعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا حقتان، إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِن كَانَت الْإِبِل أَكثر من ذَلِك، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة، إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِن زَادَت وَاحِدَة، فشاتان، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَفِيهَا ثَلَاث، إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَإِن كَانَت الْغنم أَكثر من ذَلِك، فَفِي كل مائَة شَاة، شَاة، لَيْسَ فِيهَا شَيْء، إِلَى أَن تبلغ الْمِائَة، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، وَلَا يجمع بَين متفرق، مَخَافَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يسترجعان بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا ذَات عيب» قَالَ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا جَاءَ الْمُصدق قسم الشَّاء أَثلَاثًا، ثلث شرار، وَثلث خِيَار، وَثلث وسط يَأْخُذ الْمُصدق من الْوسط، وَلم يذكر الزُّهْرِيّ الْبَقر.
ثمَّ أخرجه من حَدِيث عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، ثَنَا سُفْيَان بن حُسَيْن، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ «فَإِن لم يكن ابْنة مَخَاض فَابْن لبون» وَلم يذكر كَلَام الزُّهْرِيّ.
ثمَّ أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء، نَا ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب قَالَ: هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي كتب فِي الصَّدَقَة، وَهِي عِنْد آل عمر بن الْخطاب قَالَ ابْن شهَاب: أَقْرَأَنيهَا سَالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها عَلَى وَجههَا، وَهِي الَّتِي انتسخ عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وَسَالم ابْن عبد الله بن عمر، فَذكر الحَدِيث قَالَ: «فَإِذا كَانَت إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَعشْرين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا بِنْتا لبون وحقة، حَتَّى تبلغ تسعا وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَرْبَعِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان، وَبنت لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَأَرْبَعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت خمسين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث حقاق حَتَّى تبلغ تسعا وَخمسين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت سِتِّينَ وَمِائَة، فَفِيهَا أَربع بَنَات لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَسِتِّينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت سبعين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون وحقة، حَتَّى تبلغ تسعا وَسبعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت ثَمَانِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان وابنتا لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَثَمَانِينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت تسعين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وَبنت لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَتِسْعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَربع حقاق، أَو خمس بَنَات لبون، أَي السنين وجدت أخذت، وَفِي سَائِمَة الْغنم» فَذكر نَحْو حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن، وَفِيه: «وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار من الْغنم، وَلَا تَيْس الْغنم، إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق».
وَأما التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عباد بن الْعَوام، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه؛ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتاب الصَّدَقَة، فَلم يُخرجهُ إِلَى عماله، حَتَّى قبض، فقرنه بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قبض عمل بِهِ أَبُو بكر حَتَّى قبض، ثمَّ عمل بِهِ عمر حَتَّى قبض وَكَانَ فِيهِ: فِي خمس من الْإِبِل شَاة، وَفِي عشر شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه، وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ، فَإِذا زَادَت فجذعة إِلَى خمس وسبعين، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا ابنتا لبون، إِلَى تسعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي الشَّاء فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة، إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت فشاتان، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت فَثَلَاث شِيَاه، إِلَى ثَلَاثمِائَة شَاة، فَإِذا زَادَت عَلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِي كل مائَة شَاة شَاة، ثمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْء حَتَّى تبلغ مائَة وَلَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع مَخَافَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذ من الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عيب».
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا جَاءَ الْمُصدق قسم الشياه أَثلَاثًا؛ ثلث خِيَار وَثلث أوساط وَثلث شرار، وَأخذ الْمُصدق من الثُّلُث الْوسط.
وَأما الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَإِنَّهُ أخرجه بِكَمَالِهِ، من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّتِي كتب فِي الصَّدَقَة، هُوَ عِنْد آل عمر بن الْخطاب.
قَالَ ابْن شهَاب: أَقْرَأَنيهَا سَالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها عَلَى وَجههَا، وَهِي الَّتِي انتسخ عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وَسَالم بن عبد الله بن عمر حِين أَمر عَلَى الْمَدِينَة، فَأمر عماله بِالْعَمَلِ بهَا وَكتب بهَا إِلَى ابْن عبد الْملك، فَأمر الْوَلِيد عماله بِالْعَمَلِ بهَا ثمَّ لم يزل الْخُلَفَاء يأمرون بذلك بعده، ثمَّ أَمر بهَا هِشَام بن هَانِئ فنسخها إِلَى كل عَامل من الْمُسلمين، وَأمرهمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا، وَلَا يتعدونها، وَهَذَا الْكتاب كتاب تَفْسِيرهَا لَا يُؤْخَذ فِي شَيْء من الْإِبِل الصَّدَقَة حَتَّى يبلغ خمس ذود، فَإِذا بلغت خمْسا فَفِيهَا شَاة، حَتَّى تبلغ عشرا، فَإِذا بلغت عشرا فَفِيهَا شَاتَان، حَتَّى تبلغ خمس عشرَة، فَإِذا بلغت خمس عشرَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه، حَتَّى تبلغ عشْرين فَإِذا بلغت عشْرين فَفِيهَا أَربع شِيَاه، حَتَّى تبلغ خمْسا وَعشْرين... ثمَّ ذكر بَاقِيه بِنَحْوِ سِيَاقَة أبي دَاوُد إِلَى قَوْله: «أَي السنين وجدت مِنْهَا أخذت»، وَزَاد: «ثمَّ كل شَيْء من الْإِبِل عَلَى ذَلِك يُؤْخَذ عَلَى نَحْو مَا كتبنَا فِي هَذَا الْكتاب. وَلَا يُؤْخَذ من الْغنم صَدَقَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ شَاة...» فَذكره كَمَا سلف «إِلَى ثَلَاثمِائَة»، وَزَاد: «حَتَّى تبلغ أَرْبَعمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت أَرْبَعمِائَة شَاة، فَفِيهَا أَربع شِيَاه، حَتَّى تبلغ خَمْسمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت خَمْسمِائَة شَاة، فَفِيهَا خمس شِيَاه، حَتَّى تبلغ سِتّمائَة شَاة، فَإِذا بلغت سِتّمائَة شَاة فَفِيهَا سِتّ شِيَاه، حَتَّى تبلغ سَبْعمِائة شَاة، فَإِذا بلغت سَبْعمِائة شَاة فَفِيهَا سبع شِيَاه، حَتَّى تبلغ ثَمَانمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت ثَمَانمِائَة شَاة، فَفِيهَا ثَمَان شِيَاه، حَتَّى تبلغ تِسْعمائَة شَاة، فَإِذا بلغت تِسْعمائَة شَاة، فَفِيهَا تسع شِيَاه، حَتَّى تبلغ ألف شَاة، فَإِذا بلغت ألف شَاة، فَفِيهَا عشر شِيَاه، ثمَّ فِي كل مَا زَادَت مائَة شَاة شَاة».
وَأما الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عباد بن الْعَوام، عَن سُفْيَان، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ إِسْنَادًا ومتنًا.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَإِذا زَادَت عَلَى أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه، فَفِي كل مائَة شَاة».
وأخرجها أَيْضا الدَّارمِيّ فِي مُسْنده.
قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ فِي علله: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا، وسُفْيَان بن الْحُسَيْن صَدُوق.
وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث أحْسن شَيْء رُوِيَ فِي أَحَادِيث الصَّدقَات.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: قد رَوَى يُونُس وَغير وَاحِد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم هَذَا الحَدِيث فَلم يرفعوه، وَإِنَّمَا رَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن قلت: لَا يضرّهُ؛ فَإِن سُفْيَان وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن سعد وَالنَّسَائِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا لَكِن ضعف فِي الزُّهْرِيّ، وَقد ارْتَفع ذَلِك هُنَا فَإِنَّهُ توبع قَالَ ابْن عدي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ: وَافق سُفْيَان بن حُسَيْن عَلَى هَذِه الرِّوَايَة عَن سَالم عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن كثير.
قلت: وَبِهَذَا يظْهر الرَّد عَلَى مَا نقل عَن ابْن معِين حَيْثُ ضعف هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: لم يُتَابع سُفْيَان أحد عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث كَبِير فِي الْبَاب شَاهد لحَدِيث أنس الْمُتَقَدّم إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَا لِسُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ فِي الْكِتَابَيْنِ، وسُفْيَان بن حُسَيْن أحد أَئِمَّة، الحَدِيث وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَدخل خرسان مَعَ يزِيد بن الْمُهلب، وَدخل نيسابور سمع مِنْهُ جمَاعَة من مَشَايِخنَا مثل مُبشر بن عبد الله بن رزين وأخيه عمر بن عبد الله وَغَيرهمَا قَالَ: ويصححه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد عَن، الزُّهْرِيّ، وَإِن كَانَ فِيهِ أدنَى إرْسَال فَإِنَّهُ شَاهد صَحِيح لحَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن، ثمَّ سَاقه كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ حَدِيث عَمْرو بن حزم- وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِطُولِهِ فِي الدِّيات- ثمَّ قَالَ: قد بذلت مَا أَدَّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي إِخْرَاج هَذِه الْأَحَادِيث المفسرة الملخصة فِي الذكوات وَلَا يَسْتَغْنِي هَذَا الْكتاب عَن شرحها، واستدللت عَلَى صِحَّتهَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة عَن الْخُلَفَاء وَالتَّابِعِينَ بقبولها واستعمالها بِمَا فِيهِ غنية لمن تأملها، وَكَانَ إمامنا شُعْبَة يَقُول فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فِي الْوضُوء: لِأَن يَصح فِي مثل هَذَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أحب إِلَيّ من نَفسِي وَأَهلي وَمَالِي، وَذَاكَ حَدِيث فِي صَلَاة التَّطَوُّع، فَكيف بِهَذِهِ السّنَن الَّتِي هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث «أَن فِي خَمْسَة وَعشْرين شَاة خمس شِيَاه» لَكِنَّهَا ضَعِيفَة ثمَّ قَالَ: رَوَاهَا سُلَيْمَان بن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِي فَهُوَ لأولى رجل ذكر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا.

.الحديث السَّادِس:

عَن معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ عَن معَاذ من وُجُوه أَحدهَا: من رِوَايَة أبي وَائِل عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَلَفظ أبي دَاوُد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ تبيعًا أَو تبيعة، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم- يَعْنِي محتلم- دِينَارا أَو عدله من المعافر- ثِيَاب تكون بِالْيمن-» وَلَفظ أَحْمد نَحوه، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعَثَنِي إِلَى الْيمن أَن لَا آخذ من الْبَقر شَيْئا حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عجل تَابع جَذَعَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بقرة مُسِنَّة» وَهَذِه الطَّرِيقَة مُنْقَطِعَة فَإِن أَبَا وَائِل إِنَّمَا أَخذه عَن مَسْرُوق عَن معَاذ كَمَا ستعلمه بعد.
الْوَجْه الثَّانِي: من رِوَايَة شَقِيق، عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم- وَهُوَ النَّخعِيّ- كِلَاهُمَا عَنهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ والدارمي وَلَفظ النَّسَائِيّ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة ثنية، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا، وَمن كل حالم دِينَار أَو عدله معافر» وَلَفظ الدَّارمِيّ: «من كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا أَو تبيعة» قَالَ صَاحب الإِمام: وَهَذِه الطَّرِيقَة- يَعْنِي طَريقَة إِبْرَاهِيم عَن- معَاذ لَا شكّ فِي انقطاعها.
الْوَجْه الثَّالِث: من رِوَايَة طَاوس عَنهُ رَوَاهُ مَالك وَلَفظه «أَن معَاذًا أَخذ من ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا، وَمن أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة» وَأَتَى بِمَا دون ذَلِك فأبي أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَقَالَ: لم أسمع من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ شَيْئا حَتَّى أَلْقَاهُ فأسأله فَتوفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يقدم معَاذ بن جبل قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث طَاوس عِنْدهم عَن معَاذ غير مُتَّصِل وَيَقُولُونَ أَن طاوسًا لم يسمع من معَاذ شَيْئا وَقد رَوَاهُ قوم عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ، إِلَّا أَن الَّذين أَرْسلُوهُ أثبت من الَّذين أسندوه. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا هُوَ الصَّحِيح أَن معَاذًا قدم بَعْدَمَا توفّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: يُشِير إِلَى رِوَايَة الْبَزَّار أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْء»، قَالَ عبد الْحق: وَطَاوُس لم يلق معَاذًا. إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: إِنَّه عَالم بِأَمْر معَاذ، وَإِن كَانَ لم يلقه عَلَى كَثْرَة من لقِيه مِمَّن أدْرك معَاذًا من أهل الْيمن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: طَاوس وَإِن لم يلق معَاذًا إِلَّا أَنه يماني وسيرة معَاذ بَينهم مَشْهُورَة.
الْوَجْه الرَّابِع: من رِوَايَة يَحْيَى بن الحكم أَن معَاذًا قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدق أهل الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ تبيعًا وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة...». الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو، عَن عبد الله بن وهب، عَن حَيْوَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سَلمَة بن أُسَامَة، عَن يَحْيَى بِهِ.
الْوَجْه الْخَامِس: من رِوَايَة مَسْرُوق عَنهُ رَوَاهَا الدَّارمِيّ وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَلَفظ الدَّارمِيّ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ تبيعًا حوليًا، وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا أَو تبيعة، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَلَفظ أبي دَاوُد مثله وَقَالَ: «من كل حَال- يَعْنِي محتلمًا- دِينَارا أَو عدله معافر» المعافر ثِيَاب تكون بِالْيمن، وَلَفظ النَّسَائِيّ «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعَثَنِي إِلَى الْيمن أَن لَا آخذ من الْبَقر شَيْئا حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ، فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عجل تَابع جذع أَو جَذَعَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ، فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ بقرة فَفِيهَا مُسِنَّة». وَلَفظ ابْن مَاجَه «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، وَأَمرَنِي أَن آخذ من الْبَقر من كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيع أَو تبيعة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ وَفِي لفظ لَهُ «من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيع، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَلَفظ الْحَاكِم عَن معَاذ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن وَأمره أَن يَأْخُذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا، وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَفِي لفظ للبيهقي «وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة ثنية، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا أَو تبيعة». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن قَالَ: وَرُوِيَ مُرْسلا وَهُوَ أصح. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: أَن الْمُرْسل أصح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: إِن كَانَ مَسْرُوق سمع من معَاذ فَالْأَمْر كَمَا قَالَ الْحَاكِم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى لما ذكر حَدِيث أبي وَائِل وَإِبْرَاهِيم: كِلَاهُمَا عَن مَسْرُوق عَن معَاذ «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعًا وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة- وَقَالَ بَعضهم: ثنية» وَذكر أَن مسروقًالم يلق معَاذًا، إِن قيل إِن مسروقًا وَإِن كَانَ لم يلق معَاذًا فقد كَانَ بِالْيمن رجلا أَيَّام كَون معَاذ هُنَالك وَشَاهد أَحْكَامه فَهَذَا عِنْده عَن معَاذ ينْقل الكافة قُلْنَا: لوأن مسروقًا ذكر أَن الكافة أخْبرته بذلك عَن معَاذ لقامت بِهِ الْحجَّة بذلك، فمسروق هُوَ الثِّقَة الإِمَام غير الْمُتَّهم لكنه لم يقل قطّ هَذَا، وَلَا يحل أَن يُقَول مَسْرُوق مَا لم يقل فيكذب عَلَيْهِ، وَلَكِن لما أمكن فِي ظَاهر الْأَمر أَن يكون عِنْد مَسْرُوق هَذَا الْخَبَر عَن تَوَاتر أَو عَن ثِقَة أَو عَن من لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ، لم يجز الْقطع فِي دين الله وَلَا عَلَى رَسُوله بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أكذب الحَدِيث، وَنحن نقطع أَن هَذَا الْخَبَر لَو كَانَ عِنْد مَسْرُوق عَن ثِقَة لما كتمه، وَلَو كَانَ صَحِيحا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا طمسه الله تَعَالَى المتكفل بِحِفْظ الذّكر الْمنزل عَلَى نبيه عَلَيْهِ السَّلَام المتم لدينِهِ هَذَا الطمس، حَتَّى لَا يَأْتِي إِلَّا من طَرِيق واهية هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ. وَنقل عبد الْحق فِي الْأَحْكَام عَن أبي عمر أَنه قَالَ: مَسْرُوق لم يلق معَاذًا، وغلطه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك وَقَالَ: لم يقل أَبُو عمر هَذَا قطّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تمهيده: إِن إِسْنَاده مُتَّصِل صَحِيح ثَابت، وَقَالَ فِي استذكاره: أَن الحَدِيث عَن مَسْرُوق عَن معَاذ ثَابت مُتَّصِل، قَالَ: وَالَّذِي قَالَ أَنه مُنْقَطع هُوَ ابْن حزم، فَقَالَ فِي أول الْمَسْأَلَة: إِنَّه حَدِيث مُنْقَطع وَأَن مسروقًا لم يلق معَاذًا واستدركه فِي آخر الْمَسْأَلَة فَقَالَ: وجدنَا حَدِيث مَسْرُوق إِنَّمَا ذكر فِيهِ فعل معَاذ بِالْيمن فِي زَكَاة الْبَقر، ومسروق بِلَا شكّ عندنَا أدْرك معَاذًا بسنه وعقله، وَأدْركَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رجل، وَشَاهد أَحْكَامه يَقِينا، وَأَفْتَى فِي أَيَّام عُمر وَهُوَ رجل، وَكَانَ بِالْيمن أَيَّام معَاذ يُشَاهد أَحْكَامه هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ همداني النّسَب يماني الدَّار، فصح أَن مسروقًا وَإِن لم يسمعهُ من معَاذ فَإِنَّهُ عِنْده بِنَقْل الكافة من أهل بَلَده كَذَلِك عَن معَاذ فِي أَخذه لذَلِك عَن عهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الكافة هَذَا آخر كَلَام ابْن حزم عَلَى مَا نَقله ابْن الْقطَّان عَنهُ قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم أقل بعد أَن مسروقًا سمع من معَاذ وَإِنَّمَا أَقُول إِنَّه يجب عَلَى أصولهم أَن يحكم بحَديثه عَن معَاذ، بِحكم حَدِيث المتعاصرين الَّذين لم يعلم انْتِفَاء اللِّقَاء بَينهمَا، فَإِن الحكم فِيهِ أَن يحكم لَهُ بالاتصال عِنْد الْجُمْهُور. وَشرط البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ أَن يعلم اجْتِمَاعهمَا، وَلَو مرّة وَاحِدَة فهما- أَعنِي البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ- إِذا لم يعلمَا لِقَاء أَحدهمَا للْآخر لَا يَقُولَانِ فِي حَدِيث أَحدهمَا عَن الآخر مُنْقَطع؛ إِنَّمَا يَقُولَانِ لم يثبت سَماع فلَان من فلَان، فَإِذن لَيْسَ فِي حَدِيث المتعاصرين إِلَّا رأيان، أَحدهمَا: أَنه مَحْمُول عَلَى الِاتِّصَال، وَالْآخر: أَن يُقَال: لم يعلم اتِّصَال مَا بَينهمَا، وَأما الثَّالِث: وَهُوَ أَنه مُنْقَطع فَلَا. هَذَا آخر كَلَام ابْن الْقطَّان.
وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه كَمَا مَضَى، وَمن شَرطه الِاتِّصَال.
وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: إِن من رَوَاهُ عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ.
وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: صَلَّى مَسْرُوق خلف أبي بكر ولَقِي عمر وعليًّا وَسَمَّى جمَاعَة من الصَّحَابَة.
وَكَانَت وَفَاة معَاذ سنة ثَمَانِي عشرَة، فِي طاعون عمواس، فالسن واللقاء مُحْتَمل لإدراك مَسْرُوق معَاذًا، وَالِاخْتِلَاف السائر فِيهِ لَا يضرّهُ.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: رَوَى معمر، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ. الحَدِيث، وَفِيه: «وَمن كل حالم أَو حالمة دِينَار».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: معمر إِذا رَوَى عَن غير الزُّهْرِيّ يغلط كثيرا، يُشِير بذلك إِلَى غلطه فِي زِيَادَة قَوْله: «أَو حالمة».
ثَانِيهَا:
قَالَ عبد الْحق: لَيْسَ فِي زَكَاة الْبَقر حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته.
قلت: أَي فِي النصب، لَا فِي الأَصْل؛ فَإِن فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي ذَر: «مَا من صَاحب إبل وَلَا بقر وَلَا غنم لَا يُؤَدِّي زَكَاتهَا...» الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ الْإِجْمَاع الْمُتَيَقن الْمَقْطُوع بِهِ الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَن فِي كل خمسين بقرة بقرة، فَوَجَبَ الْأَخْذ بِهَذَا، وَمَا دون ذَلِك فمختلف فِيهِ، وَلَا نَص فِي إِيجَابه.
وَاعْتَرضهُ صَاحب الإِمام بِحَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فِي كل ثَلَاثِينَ باقورة تبيع جذع أَو جَذَعَة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ باقورة بقرة». قَالَ: وَهِي مُتَّصِلَة ظَاهرا فَإِذا صحت عَن الزُّهْرِيّ فَيعْمل بهَا.
قلت: حَتَّى يَصح عَنهُ، وستعلم مقالات الْحفاظ فِيهِ فِي الدِّيات- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- فَإِن الرَّافِعِيّ تعرض لَهُ هُنَاكَ.
قلت: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث معَاذ، لَكِن فِي إِسْنَاده بَقِيَّة عَن المَسْعُودِيّ، مُدَلّس ومختلط.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار فِي بَاب صَدَقَة الْمَاشِيَة: لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن السّنة فِي زَكَاة الْبَقر عَلَى مَا فِي حَدِيث معَاذ هَذَا، وَأَنه النّصاب الْمجمع عَلَيْهِ فِيهَا.
ثَالِثهَا:
الْبَقر اسْم جنس، يَقع عَلَى الذّكر وَالْأُنْثَى، واحدتها بقرة وباقورة، وَهُوَ مُشْتَقّ من بقرت الشَّيْء إِذا شققته؛ لِأَنَّهَا تشق الأَرْض بالحراثة.
وَقد تَكَلَّمت عَلَى لفظ الْعدْل والمعافر فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ.
رَابِعهَا:
قَالَ الرَّافِعِيّ عَن نِهَايَة الإِمَام: إِنَّه ورد فِي الْأَخْبَار الْجذع مَكَان التبيع.
قلت: وَقد سلف: «عجل تبيع جذع أَو جَذَعَة» وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس السالفة «لما بعث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعًا أَو تبيعة جذعًا أَو جَذَعَة، وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة بقرة مُسِنَّة».

.الحديث السَّابع:

عَن أنس بن مَالك «أَن أَبَا بكر كتب لَهُ فَرِيضَة الصَّدَقَة، الَّتِي أَمر الله- تَعَالَى- رَسُوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها...» الحَدِيث.
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه قَرِيبا بِطُولِهِ.

.الحديث الثَّامِن:

عَن سُوَيْد بن غَفلَة؛ قَالَ: سَمِعت مُصدق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجذع من الضَّأْن، والثنية من الْمعز» وَفِي رِوَايَة: أَن مُصدق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا حَقنا فِي الْجَذعَة من الضَّأْن والثنية من الْمعز». وَفِي رِوَايَة: «أمرنَا بأخذها».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لنا عَلَى مَالك، فِي عدم إِجْزَاء الْجَذعَة من الْمعز، وَاشْتِرَاط الثَّنية، وَعَلَى أبي حنيفَة فِي إِيجَاب الثَّنية فِي النصابين، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِدُونِ ذكر الْجَذعَة والثنية، وَهُوَ مَوضِع الْحَاجة مِنْهُ.
وَلَفظ أَحْمد: عَن هِلَال بن خباب، عَن ميسرَة أبي صَالح، عَن سُوَيْد بن غَفلَة؛ قَالَ: «أَتَانَا مُصدق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجَلَست إِلَى جنبه، فَسَمعته يَقُول: إِن فِي عهدي أَن لَا آخذ من راضع لبن شَيْئا وَلَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع وَأَتَاهُ رجل بِنَاقَة كوماء، فَقَالَ: خُذ هَذِه، فأبي أَن يقبلهَا».
وَلَفظ أبي دَاوُد: «فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن لَا تَأْخُذ من راضع لبن، فَعمد رجل مِنْهُم إِلَى نَاقَة كوماء وَهِي عَظِيمَة السَّنام، فَأَبَى أَن يقبلهَا...» الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَلَفظ النَّسَائِيّ: «إِن فِي عهدي أَن لَا نَأْخُذ راضع لبن، فَأَتَاهُ رجل بِنَاقَة كوماء، فَقَالَ: خُذْهَا، فأباها».
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَلَفْظِ أَحْمد، بِزِيَادَة: «وَلَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع».
وَهَذِه فِي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَرِوَايَة أبي دَاوُد، وكرواية النَّسَائِيّ.
ومداره عَلَى هِلَال بن خَبَّاب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَثَّقَهُ المزكيان أَحْمد وَيَحْيَى. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة صَدُوق، وَكَانَ يُقَال تغيّر قبل مَوته من كبر السن. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: أَتَيْته وَقد تغير قبل مَوته. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: يُخطئ، وَذكره فِي ضُعَفَائِهِ فَقَالَ: اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَكَانَ يحدث عَلَى الشَّيْء بالتوهم لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه كَذَلِك، وَلَكِن حسنه الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي خلاصته ومَجْمُوعه.
وَلم يتفرد هِلَال بِهِ، فقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه، من حَدِيث شريك، عَن عُثْمَان الثَّقَفِيّ، عَن أبي لَيْلَى الْكِنْدِيّ، عَن سُوَيْد.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنَيْهِمَا، وَلَفْظهمْ: عَن سُوَيْد؛ قَالَ: «أَتَى مُصدق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخذت بِيَدِهِ، وَأخذ بيَدي، فَقَرَأت فِي عَهده: أَن لَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، خشيَة الصَّدَقَة. قَالَ: فَأَتَاهُ رجل بِنَاقَة عَظِيمَة ململمة فَأَبَى أَن يَأْخُذهَا...» الحَدِيث.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد كَذَلِك فِي رِوَايَة لَهُ.
وَنقل ابْن عبد الْبر عَن ابْن معِين أَنه سُئل عَن أبي لَيْلَى الْكِنْدِيّ، فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفا.
والململمة: المستديرة؛ قَالَه الْهَرَوِيّ قلت: وَسَيَأْتِي ذكر الْجَذعَة والثنية فِي آخر الْبَاب، عَن عمر رضى الله عَنهُ مَوْقُوفا ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك ذكرهمَا مَرْفُوعا فِي حَدِيث آخر؛ قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه: نَا مُوسَى بن هَارُون، نَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، نَا عبد الله بن مُوسَى التَّيْمِيّ، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن أبي مرَارَة الْجُهَنِيّ، عَن ابْن سعر الدؤَلِي، عَن أَبِيه؛ قَالَ: «كنت فِي نَاحيَة مَكَّة فجَاء رجل فَسلم، وَأَنا بَين ظهراني غنمي، فَقلت: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا رَسُول رَسُول الله. فَقلت: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهلا، فَمَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أُرِيد صَدَقَة غنمك. قَالَ: فَجِئْته بِشَاة ماخض حِين ولدت، فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا قَالَ: لَيْسَ حَقنا فِي هَذِه. قَالَ: فَفِيمَ حَقك؟ قَالَ: فِي الثَّنية والجذعة اللجبة» واللجبة الشَّاة قل لَبنهَا وَكثر عَلَى الضِّدّ، وخاص بالمعز، وَالْجمع لجاب ولجبات.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: نَا الْحسن بن عَلّي، نَا وَكِيع، عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق الْمَكِّيّ عَن عَمْرو بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، عَن مُسلم بن ثفنة الْيَشْكُرِي؛ قَالَ: «اسْتعْمل ابْن عَلْقَمَة أبي عَلَى عرافة قومه، فَأمره أَن يُصدقهُمْ قَالَ: فَبَعَثَنِي أبي فِي طَائِفَة مِنْهُم، فَأتيت شَيخا كَبِيرا، يُقَال لَهُ سعر، فَقلت: إِن أبي بَعَثَنِي إِلَيْك، يَعْنِي لأصدقك، قَالَ: ابْن أخي...» فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: «قلت: فَأَي شَيْء تأخذان؟ قَالَا: عنَاقًا جَذَعَة أَو ثنية».
وَقَالَ أَحْمد نَا روح، نَا زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم بن شُعْبَة، عَن سعر، فَذكره كَذَلِك.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ: لَا أعلم أحدا تَابع وكيعًا فِي قَوْله ابْن ثفنة. وَقَالَ أَحْمد: أَخطَأ فِيهِ وَكِيع، حَدثنَا روح فَقَالَ: مُسلم بن شُعْبَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم وَكِيع فِي ذَلِك، وَالصَّوَاب مُسلم بن شُعْبَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه الصَّوَاب أَيْضا، قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَغَيره من الْحفاظ.